موضوع: الرؤيه الاسلاميه للرومانسيه ؟ الخميس 31 مايو - 11:33
أولا : يعيش الرومانسي – غالبا – حالة من ( فقد التوازن ) ، وتنقصه الدعامة الدينية والفكرية والاجتماعية ، لأنه يغرق في ذاتيته ، ويعول على العواطف ، لذلك يعجز في أكثر الأحوال عن التكيف مع مجتمعه ، ويهيم على وجهه في بحر الشك والحيرة والكآبة . وهذه حالة لا نرضاها للفرد المسلم ، وإذا وقع فيها لبرهة من الزمن ، فلا يمكن أن يستمر عليها ، لأنه يملك رصيدا عقديا كبيرا ، يقدم له الدعامة الفكرية ومقاييس التعامل مع المجتمع ، وأهم ما يقدمه له الطمأنينة الكبيرة التي تحفظه من الحيرة والشك . ثانيا : إن الرؤية الإسلامية للأدب لا تقبل أن يصطبغ دائما بالحزن والكآبة ، والآلام الرومانسية (مرض العصر) لا تنسجم مع الشخصية الإسلامية ، والإدعاء بأن الحزن فلسفة في الحياة ومطهرة للنفس أمر غير مقبول ، والحزن دون سبب مرفوض في الإسلام ونحن مطالبين بمواجهته والرسول صلى الله عليه وسلم نموذج عال لمواجهة الظروف الصعبة ، كانت نفسه تمتلئ بالحزن والألم لما يواجهه من عنت المشركين ، فيتنزل عليه الوحي مرة بعد مرة ( ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ) ( ولا يحزنك قولهم ، إن العزة لله جميعا ) ( ومن كفر فلا يحزنك كفره ) . والرسول صلى الله عليه وسلم ينهى عن التشاؤم والتطير ، وعمر بن الخطاب – رضي الله عنه - يرى أحد المسلمين كئيبا متذللا فينهره ، وتاريخ المسلمين ممتلئ بالفواجع والمحزنات ولكن دينهم لا يرضى لهم أن يستسلموا للحزن . صحيح أن حالات من الاستغراق في الحزن والكآبة قد ظهرت بين بعض المسلمين نتيجة للتأمل أو التعبد أو التصوف ، ومع أن شجنهم هذا لا يقارن بالحزن الرومانسي فإن الفقهاء قد أنكروا عليهم كآبتهم ، وطالبوهم بأن يخرجوا منها إلى سلوك متزن في الحياة . إن الإسلام لا يرفض الحزن العارض ولا ينكره ، ولا يفض التعبير عنه بالأدب وغيره ، ولكنه الاستغراق فيه ، ويرفض اتخاذه وسيلة أو سلوكا في الحياة . ثالثا :يأبى الرومانسيون ربط الأدب بالمبدأ الخلقي ، وهذا يخالف وجهة النظر الإسلامية في الأدب ، لأن الأدب إذا أهمل الأخلاق ولم يراعها فقد يتحول إلى استجابة آلية للغرائز والعواطف الجامحة ويصبح أداة خطرة تزوق الانحراف وتجمل الخطيئة . رابعا : ينشغل معظم الرومانسيين بذواتهم ويستغرقون فيها ، وينصرفون عن قضايا الأمة الاجتماعية والسياسية ، وقد يكتفي بعضهم بإعلانه الرفض والتمرد على القيم السائدة . ونحن نريد من الأديب المسلم أن يستوعب في أدبه قضايا الحياة والأمة وأن يثور على القيم الجاهلية ويدعو إلى قيم نابعة من الإسلام ذاته ولا نريد أن يكون (نرجسيا)لا يعرف إلا ذاته. خامسا : لا نقبل في الإسلام المعتقد العاطفي الذي يهون الإثم ويخفف المسؤولية الفردية عن الآثم أو يسقطها . فالإسلام عقيدة وسلوك ولا قيمة لطيب السريرة إذا كان السلوك خلافها ، والفرد الذي يعيش هذه الازدواجية في حاجة إلى علاج ليتوافق سلوكه مع سريرته الطيبة – إن كانت كذلك . ومع يقيننا بأن للظروف المحيطة بالفرد أثرا في تشجيعه على الجريمة ، وأن البيئة المضطربة ، أو الفاسدة ، تدفع أبنائها إلى الشر والخطأ ، فإن الرؤية الإسلامية للفطرة الإنسانية لا تعفي المخطئ من جريمته إلا إذا بلغت الضغوط الموجهة إليه حد الإكراه وليس في الإسلام – ما يسوغ الجريمة ويعفي المجرم من مسئوليته ما دام يملك أهلية التصرف .
وبعد هذه الضجة الكبرى الرومانسية بدأت شمس أفولها تطل على العالم ، بظهور مذهب آخر وهو ( الواقعية ) ومهما قيل عن الرومانسية وتنوعها وتعقيدها وإغراقها في الغرابة إلا أنها كانت تمثل عصرها ، حيث عكست اضطراب المجتمع الأوروبي آنذاك بأحداثه السياسية ، وتغيراته الاجتماعية وثوراته الفكرية . ومع أن الرومانسية قد اندثرت زماناً إلا أن بعض أفكارها لا تزال تلقى قبولاً لدى كثير من الأدباء والشعراء حتى اليوم ... *
l0oura عضو مميز
عدد الرسائل : 573 العمر : 33 تاريخ التسجيل : 05/09/2007